minasobhy Admin
عدد الرسائل : 64 العمر : 35 تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: ما هو رأسمالنا؟ الجمعة نوفمبر 30, 2007 1:33 pm | |
| ما هو رأسمالنا؟
(إقامة إبنة يائيرس وشفاء المنْزوفة)
الأحد 7ً بعد الصليب، 28/10/07
عظة الأب أنطوان يوحنّا لطّوف
عند مفارق الطرق نرى أشخاصًا مُعاقين مجروحين في ذكائهم، أو في صحّتهم، وقد ظلمتهم ظروف الحياة، أو ظلمهم المُجتمع، أو ظلموا أنفُسهم. هم لا يملكون شيئًا سوى إعاقتهم، التي هي رأسمالهم الوحيد، يُبرزونها على الملأ لكي يُحسن إليهم الآخرون. هؤلاء يُعانون بالدرجة الأولى في كرامتهم، وقد تحوّلت علاقة الاحترام والمُساواة التي تربطهم بالآخرين إلى علاقة تجاهُل وشفقة واستجداء. فالآخرون لا يُعاملونهم كبشر، بل كأشياء متروكة. يُلقون إليهم إحسانًا، من دون أن ينظروا في وجوههم، ويُكملون طريقهم غير مُبالين. هؤلاء هم مساكين الأرض الذين يزداد ظلم المُجتمع لهم بسبب وضعهم، فيضع عليهم قيودًا تحدّ من إنسانيتهم، ويعزلهم ويحتقرهم ويمنع الآخرين من مُعاملتهم كأشخاص لهم مشاعرهم وكرامتهم. لو جاء يسوع اليوم، لما عامل المجروحين كما نُعاملهم نحن. فهو جاء خصيصًا لأجل المُعذّبين والمُهمّشين والمتروكين. وفي إنجيل الأحد الماضي (شفاء مجنون القُبور)، وإنجيل اليوم، نجد أوضح الأمثلة على اهتمام يسوع بالأشخاص الذين يُعانون في إنسانيّتهم، المجروحين في فكرهم وصحّتهم، والمجروحون بالأكثر لأجل مُعاملة المُجتمع المُجحفة بحقّهم. يسوع يذهب إلى كلّ من هؤلاء بمفرده، خصّيصًا، وشخصيًّا، لكي ينقُض مُعاملة المُجتمع المُجحفة الواقعة على ذلك الشخص، ويُبرئه من مرضه ويشفي نفسه، من خلال إقامة علاقة محبّة شخصيّة معه، تُعيد إليه إنسانيّته، وتُعيده إلى مُجتمعه صحيحًا، وافر الكرامة. وتتحقّق الكرامة الأعظم والإنسانيّة الأكمل بعد الشفاء، عندما يُقيم ذلك الإنسان علاقة دائمة وعميقة وسليمة بالمسيح يسوع. في إنجيل لوقا (26:8-56) نجد يسوع في انشغال شديد. فبعد تسكينه العاصفة، استقبله على الضفّة الشرقيّة للبُحيرة مجنون خارج من القبور. هذا الشخص كان أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان. كان شرسًا جدًا، حتى لم يجسر أحد أن يمرّ في تلك الطريق. ولم يكن يلبس ثوبًا ولا يأوي إلى بيت، بل يسكن القُبور ويُهشّم نفسه بالحجارة. وإذا رُبط قطع السلاسل الحديديّة ليسوقه الروح النجس إلى البراري. لذلك كانت مُعاملة المُجتمع له قاسية جدًا. هذا الشخص شفاه يسوع بكلمة منه. أعاده صحيحًا مُعافى، نفسًا وجسدًا فجلس عند قدمي يسوع "يسمع كلامه"، علامة ارتداد عقله إليه، وبالأخصّ، علامة إقامته علاقة شخصيّة مع يسوع تُعيد إليه إنسانيّته وكرامته. وعندما طلب أن يتبع يسوع، أعاده يسوع إلى أهله وبيئته ومُجتمعه، ليس فقط عضوًا فعّالاً في المُجتمع، بل ومُبشّرًا، فكان له الشرف أن يُصبح أوّل مُبشّر بالمسيح في تلك الناحية كلّها، وفي المُدن العشر. لدى عودة يسوع إلى الضفّة الغربيّة للبُحيرة، "استقبلته الجموع لأنهم كانوا ينتظرونه" بعدما سمعوا بخبر تسكين العاصفة وشفاء المجنون. على تلك الضفّة أيضًا استقبله الناس بإعاقاتهم: كان هناك رئيس المجمع، وله ابنة شارفت على الموت. وكان هناك امرأة منْزوفة منذ اثنتي عشرة سنة. وكان وضع كليهما حرجًا جدًا وطارئًا، لا يقبل الانتظار. وبينما جثا رئيس المجمع أمام يسوع، جاءت المرأة من وراء يسوع ولمست هدب ردائه: فالشقاء البشريّ قد يكون مُعلنًا، كشقاء رئيس المجمع، وقد يكون مُستترًا، كشقاء تلك المرأة. لكنّ يسوع ينتبه إلى جميع أنواع شقائنا، حتى ذلك الشقاء الذي لا نقدر على الإفصاح عنه بسبب الخجل أو العار، أو خشية تعيير الآخرين. كانت حالة الابنة المريضة، على ما يبدو، أكثر حرَجًا من المرأة. وكان رئيس المجمع على أحرّ من الجمر، يستعجل المُعلّم بالمجيء إلى بيته. لكنّ المُعلّم توقَّف فجأة، ليسأل وسط زحمة الجموع: "مَن لمسني"! يبدو لرئيس المجمع أنّ المُعلّم يتهاون ويُبطئ. لكن ليس عند مُعلّمنا الإلهي مُحاباة وجوه، وليس لابنة رئيس المجمع الأفضليّة بسبب "وجاهة" والدها! ويسوع بتأخّره يقول لرئيس المجمع أنّ جميع المساكين متساوون لديه! وإذا كان من السهل على رئيس المجمع بسبب مركزه أن يصل إلى حيث يسوع، فقد تكبّدت المرأة مشقّة كبيرة لكي تصل إلى حيث المُعلّم، رغم هزالها الشديد وضعف قواها، وتعدّت شريعة موسى التي تفرض عليها المكوث في البيت، والعزلة الاجتماعية بسبب نجاستها الطقسيّة، عدا أنّها تسبّبت بنجاسة جميع الذين لمستهم في تدافُعها وسط الزحام! وتجاهل يسوع مبدأ النجاسة ليقول لعلماء الشريعة أنّه لا ذنب للمرأة في الحالة التي تُعاني منها. طبعًا، هي لم تُشفَ من دون إرادته، وبالتالي، فهي منذ البداية لم تخفَ عليه. لكن لماذا لم يتركها تذهب بعيدًا مع شفائها "السريّ" الذي "اختلسته"؟ لأنّ يسوع لم يُردها أن تذهب وهي تُعاني شعورًا بالذنب لأنها "سلبت" شفاءها من غير علمه، ولكي تكون مثالاً للآخَرين في الثقة بيسوع حتى آخر رمق. بالأكثر، أراد يسوع أن يُقيم معها علاقة شخصيّة، لتجد في تلك العلاقة كمال كرامتها وإنسانيّتها. وهو أردها أن تُعلن على الملأ أنها تعافت، لكي تعود، بعد ذلك، إلى أهلها وقومها مُعافاة، وطاهرة طقسيًّا، فتستطيع ممارسة العبادة من دون عائق، وتعود بالتالي إلى حياتها الاعتيادية. وباختصار، أرادها يسوع أن تستعيد كمال كرامتها وإنسانيّتها. كان رئيس المجمع مضروبًا بذعر رهيب: ماذا لو ماتت ابنتُه في هذه الأثناء؟ ولربما كان يُعاتب يسوع في سرّه. ووقع عليه الخبر الذي يحذره وقوع الكارثة عندما جاء من بيته من يقول له "ماتت ابنتُك، فلا تُتعب المُعلّم"! لا بدّ أنّه كان قد بدأ ينهار أمام هول الصدمة لولا أنّ يسوع تداركه بقوله: "لا تخف، آمن فقط". قال للجموع: "لماذا تضجّون إنها نائمة"، فسخروا منه. لذلك لم يدَع أحدًا يدخل سوى أبو الصبيّة وأمها، وبطرس ويعقوب ويوحنّا". ولذلك أيضًا أوصى أبويها أن لا يُعلموا أحدًا بما حدث، لأنّ الذين يشكّون بقدرته سوف لن يُصدّقو مُعجزاته، وربما شكّكوا أو سخروا... ثمّ أمسك بيد الصبيّة وقال لها: "يا صبيّة قومي". كانت تلك لمسة حنان الربّ، لمسة إنسانيّته، التي أعادت الصبيّة إلى الحياة. ولم يُبالِ يسوع بشريعة اليهود التي تعتبر نجسًا كلّ من لمس ميتًا. فحياة الإنسان أعظم من الشريعة، وعمل الرحمة أعظم من الذبيحة. رئيس المجمع والمرأة المنْزوفة كلاهما خرّ ساجدًا ليسوع مُعترفًا بقدرته وسُلطانه. وكلاهما سمع من الربّ كلام الإيمان: "إيمانُكِ خلّصكِ، إذهبي بسلام"، وأيضًا: "لاتخَف، آمن فقط". وفي كلا المُعجزتين، كانت هناك لمسة يسوع الحنونة والشافية، التي تكلّلت بإقامة علاقة شخصيّة مع المُخلِّص. كما يقف المُعاقون على مفارق طرقاتنا، كذلك نقف نحن اليوم على مفترقات طرق يسوع، وليس لنا من رأسمال سوى إعاقاتنا الروحيّة وضعفاتنا وآثامنا، الظاهرة والخفيَّة، نستقبله بها ونكشفها له، علّه يتحنّن علينا ويشفي أمراض نفوسنا، وبلمسة من حنانه يهدينا إلى التوبة والعودة إليه في علاقة شخصيّة عميقة وثابتة، تُعزّينا وتحرّرنا وتُعيد إلينا كرامتنا وإنسانيّتنا، فنسجد له ممجدين قُدرته ومُسبّحين اسمه المُبارك إلى الدهور. | |
|