أب يصطاد ابنه ظننت أنها غزالة حية , وأنا أقترب لمنزل مُضيفنا على الغذاء بميلبورن باستراليا فى أحد أيام فبراير 99 . ولكن لما دخلت المنزل ، وجدتها غزالة محنطة ، ولكنها ما زالت تحتفظ بجمالها وشعرها وحتى رقة نظراتها . كانت من نوع جميل من الغزلان ، حجمها يصل لحجم حصان صغير .
بادرت مُضيفى قائلا ً : كم من الدولارات دفعت فيها ؟ فأجابنى : بل لقد أصطدتها بنفسى فى ولاية نوفا سكوتيا فى كندا : ولغلاوتها علىّ أحضرتها معى هنا إلى أستراليا بعد أن حنطها . سألته : وهل مسموح بصيد الغزلان فى كندا ؟ أجابنى وهو فى تأمل عميق وكأنه ينظر إلى وادى سحيق من الذكريات ، وقال : نعم ، ولكن فى مكان محدد وبعد أن تأخذ ترخيص البندقية ، تمكث قبل الظلام بساعتين ،وممنوع على أى صياد أن يتحرك من مكانه ، ليس فقط لعدم إزعاج الغزلان ، ولكن لأنه فى الغروب يكون هناك خطر الصيادين على أنفسهم . صمت محدثى دقائق ، ثم أردف قائلاً : قبل أن أتعرف شخصيًا على الرب يسوع ، كان صيد الغزلان هوايتى المحببة ، إلى أن تركتها وإلى الأبد ، بعد اليوم المشئوم !
ما هو هذا اليوم المشئوم ؟ سألته بتلقائية . تنهد محدثى ، ولأنه رجل قوى الشخصية ، تأكدت ، وهو يحوّل وجهه وعينيه عنى أنه يبذل مجهودًا جبارًا حتى يمنع ، أو على الأقل يخفى دموعه عنى . وساد الصمت دقائق حسبتها دهرًا من الزمان .وجاهدت حتى أحوّل الحديث إلى موضوع آخر ، حتى لاأكون سببًا فى ذكريات أليمة لمضيفى .ولكنه قال لى : رغم أنى لاأحب أن أتذكر هذا اليوم ، ولكنى سأحكيه لك بأختصار .
كنا مجموعة من الأصدقاء نذهب معًا فى كندا لصيد الغزلان ، وكان لى صديق مُحبب إلى اسمه مستر سميث . وفى ذلك اليوم ذهبنا معًا ، وكان مستر سميث يصطحب ابنه الوحيد بيتر البالغ من العمر 19 سنة ، وكان بيتر قد أخذ رخصة جديدة لبنادق صيد الغزلان . وكالعادة ، وقبل الظلام بساعتين ، أخذ كل منا مكانه خلف شجيرة . وكان علينا أن نصبر ساعة أو ساعتين حتى تأتى الغزلان عندما يبدأ الليل يرخى سدوله . وحسب القوانين الكندية : ممنوع الصيد إذا صار الظلام دامسًا ، ولابد أن تنتهى عملية الصيد فى ساعة محددة .
كان صديقى مستر سميث يجلس خلف الشجيرة القريبة منى ، أما بيتر فاختار أن يختبىء خلف شجيرة أبعد . وتأخر وصول الغزلان فى ذلك اليوم ، ولكن الصيد يعنى الصبر والسكون .
وفى قلب السكون ، وقبل نهاية الساعة المحددة لانتهاء الصيد بدقائق ، وفجأة خرجت الطلقات النارية من بندقية صديقى سميث ، وهو يهتف وأنا أفرح معه : اصطدتها .. قتلتها .. سقطت هناك خلف الشجيرات . لقد لمحتها وهى تتحرك ، ولكنها سقطت . إنها أكبر غزالة اصطدتها فى حياتى .
انصلقنا جميعًا تجاه الغزالة ، للإمساك بها ، ولتهنئة مستر سميث بهذا الإنجاز ، ولا سيما هذا اليوم الذى ضّن فيه وجود الغزلان . جرينا جميعًا فى هتاف الغالبين .. إلى أن وصلنا . وكان مستر سميث أول من وصل .. وصل .. وهنا وجدت محدثى قد انهار ، ليس فقط فى دموع كالأنهار ، ولكن فى بكاء وانهيار . نظرت إليه .. ووقفت فى مكانى .. أرجوك لاتقل .. هل ؟ أجابنى : نعم .
كان مستر سميث قتل ، أو اصطاد ابنه الوحيد بيتر الذى تسرع وتحرك قبل الميعاد . عندما وصلنا إليه كان قد فارق الحياة وسط بركة من الدماء . سقط أبوه فوقه ، واحتضنه، وأخذ يتمرغ فى الدماء ، وهو يقول كلمات هستيرية ، حتى غطاهما الدم فى مشهد إن رأيته فى فيلم لن تصدقه ، وستقول إن المؤلف غير واقعى . صمت محدثى ، فسألته فى انفعال ماذا بعد هذا ؟ ماذا عن الأب ؟ ماذا فعل ؟ أجابنى : أرجوك يكفى هذا ، لن أستطيع أن أستفيض فى باقى مأساة صديقى الذى رفض بشدة الدفاع عن نفسه فى المحكمة ، ورفض العلاج النفسى ، ثم رفض الحياة .
صديقى .. وصديقتى : لابد أنك تأثرت معى وأنت تقرأ هذه القصة الواقعية الدرامية والمأساوية , وسأحاول أن أجيبك بإختصار عن سؤالين , أتوقع أنك الآن تريد أن تسألهما لى : من المخطئ ؟ الأب سميث الذى قتل ابنه , أم الابن الذى لم يتبع القوانين وتحرك ؟ إجابتى التى أظن أنها صحيحة .. الاثنان مخطئان معاً .
والسؤال الثانى هو : لماذا تقص على هذه القصة القصة المأسوية ألايكفى ما أراه من مآسى فى الحياة ؟ إجابتى أن هذه القصة جعلتنى أتذكر قصة آخرى , عن أب آخر , كُتب عنه فى رومية 8 : 32 " ( الله ) الذى لم يُشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين " . وفى يوحنا 3 : 16 " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ".
لقد أطلق سميث , جهلاً وتسرعاً , رصاصته على ابنه لأجل غزالة . ولكن الله , بالفارقة , سكب كل جامات غضبه على المسيح فى الصليب , أطلق عليه كل رصاصات دينونة خطايانا فى ساعات الظلام , ليس بالصدفة , ولكنه كان صوت العدل الإلهى " استيقظ يا سيف على راعىّ ورجل رفقتى .. اضرب الراعى .. " ( زكريا 13 : 7 ؛ متى 26 : 31 ) وقد فعل كل هذا لأجلنا لأن هذه هى الطريقة الوحيدة لخلاصنا : أن يكون المسيح هو البديل عنا . أما بالنسبة لبيتر سميث : فلقد تسرع وتحرك قبل الميعاد فمات , أما الرب يسوع ففقد جاء خصيصاً , وبملء إرادته , ليموت لأجلنا : لقد قال قبل الصليب " لهذا يحبنى الآب لأنى أضع نفسى لأخذها أيضاً . ليس أحد يأخذها منى . لى سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها أيضاً . هذه الوصية قبلتها من أبى " ( يوحنا 10: 17-19) . ولقد كان يعلم هذا قبل الأزمنة فى الأزل , فهو المسيح المعروف سابقاً ( كالفادى ) من قبل تأسيس العالم ( 1 بط 1: 20) , وقد جاء فى الوقت المعين ليتمم عمل الفداء . أدعوك أن تتوب عن خطاياك , وتقبل حُب المسيح الذى أحبك ومات بدلاً منك , فى طاعة لله وأيضاً طبيعة الله " الله محبة " ( 1 يو 4:
. ألا تصلى معى .
صلاة: يا من لم تُشفق على ابنك الرقيق .. رجلك الرفيق .. ولأجلى دمه أُريق .. لأتوب وأومن بك .. أشكرك على تقديمك له وأومن به فهو الطريق . آمين .